القمة الــــ 34 ( أصرار……أنجاز…..هدف) (دبلوماسية التوازن الإقليمي....العراق من ساحة للصراع الى جسر للحوار)
القمة الــــ 34 ( أصرار……أنجاز…..هدف)
(دبلوماسية التوازن الإقليمي....العراق من ساحة للصراع الى جسر للحوار)

م.م. سجى عادل علي
الجامعة العراقية/كلية القانون والعلوم السياسية
م.م. علي حمزه غافل
الجمعية العراقية للعلوم السياسية


   قمة بغداد هي الاجتماع الرابع والثلاثون لمجلس جامعة الدول العربية والتي عقدت يوم السبت في 17 أيار/مايو 2025 في مدينة بغداد عاصمة جمهورية العراق وتولى رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد رئاسة القمة في القصر الحكومي في بغداد التي حملت شعار «حوار وتضامن وتنمية». 
   وإيمانا بأهمية العمل العربي المشترك لتحقيق أمن واستقرار الدول العربية والتعاون والتكامل في المجالات كافة، وتأكيدا على أهمية التعامل برؤية استراتيجية موحدة لمواجهة التحديات التي تواجه منطقتنا؛ وتأكيدا على أواصر الأخوة والمصير المشترك بين الدول العربية في ضوء الإمكانات الاقتصادية والبشرية الكبيرة للأمة، والالتزام بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات سلميا لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتعزيزًا للتعاون في المجالات كافة لبناء مستقبل آمن ومزدهر يحقق الاهداف والتطلعات، وانطلاقا من التزام راسخ بقيم التسامح والاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب، واستنادًا إلى قناعة ثابتة بأهمية الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات والحضارات كجسر للتقارب الإنساني، وتأكيداً على دعم السلم والأمن الدوليين.
   وبناءً على ماسبق، أتخذت الحكومة العراقية وكافة الأجهزة المعنية إجراءات استثنائية لضمان نجاح هذا الحدث، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للوفود المشاركة، أذ يحاول العراق، في ضوء الدبلوماسية التي تتبناها وزارة الخارجية، أن يكون أكثر قدرة وفاعلية على إدارة الحوارات الثنائية والمتعددة في محيطه الاقليمي من خلال أداراك ووعي صانع القرار العراقي بأهمية الاستقرار الإقليمي في تعزيز تحقيق الاستقرار الداخلي الذي يمثل إحدى أولويات المنهاج الحكومي للسيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الأمر الذي يدفع العراق إلى التعامل مع الأحداث الإقليمية باهتمام مباشر من قبله نظراً لطبيعة تأثيرها وتداعياتها على المشهدين السياسي والأمني الداخليين. 
وهذا ما يفسر الحراك الدبلوماسي العراقي الذي يهدف إلى تنسيق المواقف بدلاً من الانخراط في التفاعلات الإقليمية المعقدة، فهذه الرؤيا التي طرحتها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من خلال برنامجها الحكومي أرتكزت على جانبين: الاول تمثل من خلال تبني برنامج اصلاحي تسعى من خلاله الى أن يكون العراق "عراقاً قوياً ومقتدراً"، وأما الجانب الثاني: فتمثل بالسعي الى أقامة مجموعة من العلاقات الدبلوماسية المنتجة والمؤثرة.
    الأمر الذي نتج عنه تغيير جذري في السياسة الخارجية العراقية التي تسعى لتثبيت مكانة الدولة  في أطار محيط العلاقات الأقليمية والدولية، من خلال لعب دور مؤثر وفق سياسة تنتهج الشفافية والواقعية ودقة التقييم والتوازن السياسي، فالعراق في المرحلة الحالية يشهد انفتاحاً كبيراً تجاه البيئة الاقليمية لا سيما مع وجود حكومة ساعية وطموحة الى أثبات مكانتها ودورها مع محيطها الاقليمي بصورة أكثر فاعلية من المرحلة الماضية، من خلال تعزيز فرص توثيق العلاقات العراقية_الأقليمية، وبشكل خاص الدول التي كانت تتخذ مواقف مناونة للعراق في مرحلة ما بعد عام 2003، وقد تمثلت تلك الاجراءات بمجموعة من الزيارات المتبادلة على اعلى المستويات، وتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون وتأسيس مجالس التنسيق والشراكة على مختلف المستويات، ويعود ذلك لما تمكنت منه الحكومات المتعاقبة في ايجاد آليات متوازنة في التعامل مع الضغوطات التي تواجه العراق.
    تسعى الحكومة العراقية الى مواجهة التحديات الاقليمية برؤيا متوازنة وعقلانية، من خلال اتخاذ مواقف واضحة وصريحة، ومواقف أخرى يغلب عليها الطابع البراغماتي بحسب تعقيدات وضغوطات كل حالة، فصانع القرار السياسي العراقي في المرحلة الحالية يسعى نحو تحقيق المصالح الاستراتيجية العليا التي يسعى من خلالها العراق الى أن يكون نقطة استقرار وتوازن لا نقطة تقاطع وخلاف في المنطقة من خلال تبني دبلوماسية منتجة تستند الى تعزيز ودعم العلاقات بين العراق وشركائه، مستفيداً من حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تشهدها البيئة الداخلية العراقية من خلال التأكيد على السيادة العراقية، وأن العراق هو شريك وفاعل مؤثر وليس ساحة لتسوية الحسابات أو الحروب بالوكالة.
   ان العراق يؤكد وبشكل مستمر في مسار سياسته بإنها نابعة من اولوية المصالح الوطنية ومنعاً للمخاطر التي تهدد المنطقة بسبب وجود الجماعات الإرهابية، إذ يعد العراق بإنه الدولة التي تحارب الإرهاب نيابةً عن العالم بأسره، لذلك تبلور مضمون سياسة العراق الخارجية ما بعد عام ٢٠٠٣ في تجسيد مبدأ الإستقلالية وتحقيق المصالح الوطنية، إذ يتطلع العراق لممارسة سياسة خارجية مستقلة بعيدة عن اي ضغوط خارجية التي تتأثر بضغوط البيئة الإقليمية المضطربة وغير المستقرة بسبب ارتفاع حدة الصراع الإقليمي والدولي بين مختلف القوى الفاعلة في المنطقة. 
    وبناء على ماسبق، تمثل قمة بغداد 2025 تتويجًا لمسار جديد في السياسة العراقية، قوامه الواقعية السياسية، والتمسك بالمصالح الوطنية، وتوسيع الدور الإقليمي للعراق كوسيط سلام وشريك في التنمية. وقد ساهمت هذه التحولات في تعزيز موقع العراق كدولة قادرة على التوازن بين التحديات الداخلية والضغوط الخارجية ضمن بيئة إقليمية معقدة.
2025-05-29 08:34 PM1740