بلاد الرافدين تُعيد اختراع الديمقراطية: التجربة العراقية كبوصلة للشرق الأوسط
بلاد الرافدين تُعيد اختراع الديمقراطية: التجربة العراقية كبوصلة للشرق الأوسط

         الدكتور سيف ضياء
         الجمعية العراقية للعلوم السياسية
 
في خضم التحولات الجيوسياسية المعقدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يبرز العراق كحالة استثنائية تستحق التأمل والدراسة، فرغم التحديات الهائلة والضغوط المتعددة الأبعاد، يواصل هذا البلد العريق رحلته نحو ترسيخ إنموذج ديمقراطي فريد، يستمد قوته من عمق حضاري يمتد لآلاف السنين، ويستشرف مستقبلاً يتجاوز حدود الجغرافيا السياسية التقليدية ؛ حيث شهد العراق اليوم لحظة فارقة في مسيرته الديمقراطية،إذ تجلت الممارسة السياسية بأبعادها المتعددة، فإن التنوع في المواقف السياسية - بين ديالكتيك مشاركة نشطة ومقاطعة واعية - لا يمثل انقساماً بقدر ما يعكس نضجاً ديمقراطياً حقيقياً فالديمقراطية الناضجة ليست إجماعاً قسرياً، بل (فضاء حر للتعبير) عن الإرادة السياسية بأشكالها المختلفة ؛ هذا التباين في المواقف يؤكد أن:
1. حق الاختيار ويشمل حق عدم المشاركة كموقف سياسي مشروع.
2. التعددية السياسية وتتجسد في احترام كافة أشكال التعبير السلمي.
3. الوعي المدني الذي ينمو من خلال الممارسة والنقد البناء.
وإن تميز خصوصية التجربة العراقية في سياق إقليمي يتسم بالجمود السياسي والأنظمة الشمولية، حيث يشكل العراق استثناءً لافتاً  فبينما تعاني معظم دول المنطقة من:
1.  انعدام التداول السلمي للسلطة
2. غياب المشاركة الشعبية الحقيقية
3. هيمنة الأنظمة الأحادية.
يقدم العراق نموذجاً حياً لإمكانية التحول الديمقراطي رغم الظروف الصعبة؛ هذا التميز لا ينبع من فراغ، بل من إرث حضاري عريق جعل من بلاد الرافدين مهداً للقوانين والتنظيم المدني منذ فجر التاريخ ، فالفهم العميق للديمقراطية كعملية تطورية مستمرة يتجاوز الآليات الإجرائية ليصل إلى جوهرها الفلسفي، إنها ليست مجرد:
1. صناديق اقتراع:بل آلية لتمكين الإرادة الشعبية.
2. انتخابات دورية:بل عملية تقييم وتقويم مستمرة.
3. تمثيل سياسي:بل بناء عقد اجتماعي متجدد. 
هذا المفهوم التطوري للديمقراطية يعني أنها:
1. مشروع مفتوح قابل للتحسين والتطوير المستمر.
2. مسار تراكمي يبني على الإنجازات ويتعلم من الإخفاقات.
3. ثقافة مجتمعية تتجذر عبر الممارسة والزمن.
لذلك تحولت التحديات كفرص للنضج الديمقراطي، حيث إن تكالب الأعداء الذي يواجهه العراق سواء كان تدخلاً خارجياً أو تحديات داخلية لم يكسر إرادته الديمقراطية، بل على العكس، حوّل هذه التحديات إلى:
1. محفزات للوحدة الوطنية عبر الحوار والتوافق.
2. دروس في بناء المؤسسات القادرة على الصمود.
3. فرص لتعزيز المناعة السياسية ضد الاستبداد.
بمعنى ان المسار نحو الاستدامة والنضج الديمقراطي ليس وجهة نهائية بل رحلة مستمرة تتطلب:
1. البناء المؤسسي:تعزيز استقلالية وفاعلية مؤسسات الدولة .
2. التربية المدنية:نشر ثقافة المواطنة والمشاركة الواعية .
3. العدالة الانتقالية:معالجة جراح الماضي بحكمة ومسؤولية  .
4. التنمية الشاملة:ربط الديمقراطية بتحسين نوعية الحياة.
الخاتمة: العراق كمختبر للأمل الديمقراطي.
في نهاية المطاف يمكننا القول ان العراق اليوم ليس مجرد دولة تمارس الديمقراطية، بل مختبر حي لإمكانية التحول الديمقراطي في أصعب الظروف تجربته تقدم دروساً قيمة ليس فقط لشعوب المنطقة، بل للعالم أجمع، حول:
1. قوة الإرادة الشعبية في مواجهة التحديات.
2. أهمية الصبر الاستراتيجي في بناء الأنظمة الديمقراطية.
3. ضرورة السياق الثقافي في صياغة النماذج السياسية. 
وإن رحلة العراق الديمقراطية، بكل تعقيداتها وتناقضاتها، تؤكد حقيقة جوهرية تتلخص في : (الديمقراطية ليست ترفاً سياسياً، بل ضرورة حضارية لأي مجتمع يطمح للتقدم والازدهار) ، وما يحدث اليوم في أرض الرافدين قد يكون بذرة لربيع ديمقراطي حقيقي ينبت من التربة المحلية، لا يُستورد من الخارج، ويزهر بما يتناسب مع خصوصية المنطقة وتطلعات شعوبها.
"التاريخ سيسجل أن العراق، رغم كل الجراح، اختار طريق الأمل على اليأس، والبناء على الهدم، والديمقراطية على الاستبداد".
2025-11-13 12:22 AM2186